مفاوضات الكويت: لا مكان للتّفاؤل؟

تتفاوت رؤى الشّارع اليمني للمفاوضات المقبلة بين طرَفَي الصراع الذي خلّف مآس إنسانيّة على طول البلاد وعرضها. وفيما يتطلّع البعض إلى المفاوضات بنظرة تفاؤليّة، إنطلاقاً من اعتقاده بأن الطّرفين أُنهكا وبالتّالي فهما جادّان في إنهاء الحرب، يقرأ البعض الآخر السيرورة التّفاوضيّة بسلبيّة، مستنداً إلى جملة وقائع، منها السياسيّ ومنها الميدانيّ. 
"العربي" استطلع آراء صحافيّين ونشطاء سياسيين في الدّاخل والخارج وخرج بالحصيلة التّالية.
حاجات متبادلة
يقول الصحافيّ صدّام أبو عاصم إنّ "الجميع بات يدرك أنّ الحسم صعب المنال ﻷيّ طرف كان. صالح والحوثي، وفي حشودهم الأخيرة، أظهروا للآخرين أنّه ماتزال لديهم شعبية. ومراوحة المعارك في مكانها في تعز ومأرب وحجّة ربّما قد تدفع بالسّلطة الشرعيّة ومن ورائها السعودية، فضلاً عن صالح والحوثي ومن يدعمهم، إلى التّفاوض بجدية والخروج بحلول تحفظ ماء وجه الطرفين". ويلفت أبو عاصم إلى أنّ من ضمن المؤشّرات الإجابيّة "الإتّفاق السعودي الحوثي حول بعض النّقاط كإيقاف الحرب على الحدود، وتبادل الأسرى، وربّما هناك أمور أخرى لم يتمّ الإعلان عنها".
يتفق الإعلامي إبراهيم حزام مع أبو عاصم، معتبراً أنّ "المفاوضات ربّما تفضي إلى اتّفاق لوقف النار على الأقلّ". ويلفت إلى أنّه "قد يستمرّ التّعنّت السّعوديّ، لكن الحرب التي أوجدت مجالاً لانتشار التّنظيمات الإرهابية، باتت تثير مخاوف المنظومة الدّولية وتدفعها للضّغط لإنجاح المفاوضات".
في المقابل ترى النّاشطة الحقوقيّة، جيهان عبد الحكيم، أنّنا "قد نحتاج إلى وقت طويل"، وتقول: "تكثر المفاوضات والنّتيجه واحدة، علينا الإستعداد للمزيد من بذل الصبر، فأوروبا خاضت حروباً عالميّة لتتعلّم وتتخلّص من تخلّفها، لو أنّنا نتعلّم كنّا استفدنا من تجربتنا عام 2011".
تنازلات مطلوبة
لا شكّ أنّ نجاح المفاوضات يتطلّب تقديم تنازلات، لكن ذلك يبدو حتّى الآن بعيد المنال، بالنّسبة للكثير من المراقبين. برأي رئيس رابطة الصّحافة القومية، علي أحمد الأسدي، "يضع طرفا الصراع مصالح أحزابهم أو جماعاتهم قبل المصلحة الوطنيّة، ولن يتنازل أحدهم للآخر من أجل اليمن الوطن والإنسان". ويتابع الأسدي أنّ "العالم العربي والدّولي يتحرّك باتّجاه بلورة مواقف واضحة تجاه القضية اليمنية وإيقاف الحرب ورفع الحصار وإغاثة المنكوبين والنازحين وعودة السلام"، متسائلاً: "أما آن الأوان لليمنيين أنفسهم في الدّاخل والخارج إنهاء الحرب المدمّرة التي قتلت الآلاف وقضت على البنية التحتية لوطنهم؟ أناشد من خلال "العربي" جميع الأطراف منح اجازة لـ (الحزبية)".في الإتّجاه نفسه، يعتقد آخرون أنّ اليمنيين ملّوا الوعود بتحسّن الأوضاع، ولا يأملون اليوم إلا بكسر هذه القاعدة واعتماد الأفعال. النّاشط الحقوقيّ، عمّار الشامي يشير إلى أنّ اليمنيين "يريدون فقط أن يتمّ التّركيز على مصلحة الوطن لإنجاح المفاوضات، والخروج من الوضع الذي نعيشه، وأن تتمّ اجراءات عمليّة سريعة لانتخابات برلمانية ورئاسية وبرعاية ورقابة الأمم المتّحدة".
وانطلاقاً من أن "هذه هي الفرصة الأخيرة لإنهاء مأساة اليمنيين، حيث لم يعد هناك ما يمكن خسارته بعد كل ما خسرته اليمن"، تعرب الإعلاميّة، ميثاق توفيق، من جهتها، عن تفاؤلها بقولها: "أتوقّع أن تأتي المفاوضات بنتائج ملموسة، ذلك أنّ فشل جولة مفاوضات السلام اليمنية المقبلة يعني فشل الفرصة الأخيرة لإيقاف الحرب باليمن، وبالتالي فإنّ الأمور ستزداد صعوبة على صعوبتها".
تحدّيات صعبة
الخيارات واضحة: إما الإتّفاق فالسلام، وإما اتّباع الشّيطان فالحرب. هذا ما يؤكّده الإعلامي صالح الحميدي، مضيفاً أنّ "على اليمنيين أن يختارو إما العقل والخروج من المفاوضات بالمنطق الذي يعيد لليمن وأهلها مكانتهم وتاريخهم وحضارتهم، وإمّا أن يستمرّ الشيطان في التّعنّت، وبالتالي انزلاق اليمن بلا رجعة". ويشدّد الحميدي على أنّ "على اليمنيين أن يحلّوا مشكلاتهم بدون انتظار غيرهم للقيام بذلك، فالإهتمام الدّولي مرتبط بمصالحه في اليمن، ووليس بمصالح اليمن".
فقدان الثّقة بين طرفي الصراع يعدّ تحدّياً إضافيّاً أمام المشاورات المرتقبة، وهو ما يخفّض نسبة تعويل البعض على نجاح المفاوضات. يقول الكاتب الصحافي، خالد العلواني، إنّ "الطريق إلى مشاورات الكويت محفوفة بالكثير من التّحدّيات الكبيرة، وفي مقدّمتها التّحدّي البنيويّ لجماعة الحوثي التي ولدت من رحم البندقية، ومتطلّبات تحوّلها إلى حزب سياسيّ، إضافة الى تداخل المجالات الحيويّة للصّراع الإقليمي"، ويلفت العلواني إلى أنّه "حتّى اللّحظة ما يزال الحديث يدور حول بنود بناء الثقة، أزمة الثقة بين السّلطة وطرَفي الإنقلاب عميقة وردمها يحتاج في نظري للكثير من الوقت والجهود".
ولأن هذه المشاورات ليست الأولى من نوعها، نجد من يسارع في التّقليل من أهميّتها، مستنداً إلى فشل التّجارب السّابقة. النّاشط السياسيّ، أرحب الصرحي، يلفت إلى أنّه "ليس متفائلا لأنّه يرى أنّ ما حدث في المحادثات السّابقة أمر مخز، يدلل على الجهل في التّعاملات والمسؤوليّات السياسيّة، ويضيف أنّه " لو كانت هناك نيّة جادّة حقّاً، كان يمكن عمل هدنة في حينها والبدء في الحوار".
ن تحدث مفاوضات؟
ثمّة من يشكّك في انعقاد المفاوضات من أساسها. النّاشط الحقوقيّ، موسى النمراني، يرى أنّ "إصرار الحوثيين على الإستمرار في الحرب كطريق وحيد وبديل عن الطريق السياسي الذي أجهضوه بالإنقلاب وتجميد الحياة السياسية، إضافةً إلى أنّ الإعلان عن موافقتهم على حوار الكويت جاء على لسان غيرهم، وغياب أجندة واضحة لهذه المفاوضات، كلّ ذلك يجعلني غير واثق ممّا إذا كانت المشاورات ستُعقد أم لا".
بخلاف رؤية النمراني، يعتقد آخرون أنّ هناك إرادة عامّة تدفع نحو التّسوية السياسيّة، وترى في مفردات الوضع القائم فرصةً لتسويةٍ تضمّ كل أطراف الصّراع. الإعلاميّة والنّاشطة الحقوقية، إبتهال حسين الضلعي، تعتبر أنّ "المفاوضات القادمة ستكون غير السابقة من كافة النواحي، موضحةً أنّ "نيّة السعودية في إنهاء الحرب باتت جليّة، والطرف الحوثيّ أيضاً بات يولي حلّ الأزمة اولوية بعيداً عن الشعارات المعلنة على مدار الفترة الماضية. وعليه، فمن المتوقع أن نشهد تنازلات نسبيّة تكفل إنهاء الحرب على الأقلّ وتحفظ ماء الوجه للسعودية، وتضفي طابع انتصار نسبيّ أيضاً للحوثيين. لكنّ هذا لن يمنع استمرار بعض المناوشات والخروقات".
في مقابل التفاؤل المتقّدم، يذهب البعض بعيداً في تشاؤمه، غير واجد في المفاوضات أكثر من تخدير للمجتمع الدولي. الإعلامي أنور الاشول يقول إنّ "الهدنة على الحدود اليمنية السعودية انهارت قبل أن تبدأ المفاوضات، ناهيك عن استمرار شراء السعودية لصفقات أسلحة جديدة بالمليارات، مايؤكّد عدم الرغبة في أي حلّ لليمن". ويزيد الأشول: "عام كامل واليمن تحت العدوان ولم يحرّك العالم ساكناً. الإرادة الدولية بحاجة إلى إرادة إلهيّة".
(العربي)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشفوت... شغف الإفطارات اليمنية ودرّتها

"الهريش"... ذائقة" اليمنيّين في "الأضحى"