التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أدنى من صفقة مشبوهة

1-09-2016
ليس انتقاصاً من أبناء "الجنوب" حين تُثار علامات الإستفهام حول الإضافة التي سيشكّلها انضمامهم للجيش السعودي. ليس انتقاصاً منهم بقدر ما هو حال السخرية التي تغلّف طلب المملكة العون من "عويلة" لحماية أراضيها، "عويلة ونصّ"، مقارنة بكلّ الضبّاط والألوية والج�رالات الذين يقدّمون لها عصارة سنوات من الخبرة والحنكة والإحتراف. 
هل يعقل أن ما عجزت المملكة عن تحقيقه بكلّ هؤلاء، وبكلّ ما تملك من قدرات وإمكانات بشرية ومادّية وتقنية، ومع كلّ التحالف الدولي المساند لها، سيتحقّق بتجنيد شباب لا زالوا بحاجة للتدريب والتأهيل والتغذية الجيدة؟!
نعم، "إن الله يضع سرّه في أضعف خلقه"، ولكن حينما لا تتدخّل عوامل، هي بحكم الشبهات الواجب اجتنابها. فمن ناحية، كيف لا يخشى "التحالف" على انتصاره في الجنوب بتفريغ الأخير من أبنائه، في ظلّ التهديدات المتجدّدة التي تواجه الساحة الجنوبية، ومنها "الخطر الشمالي" الذي لم ينتهِ كلّيّاً بعد؟ ومن ناحية أخرى، كيف يتقبّل أبناء الجنوب خوض حرب لتحرير نجران، ومن ثمّ صنعاء، جدلاً، مع إدراكهم أن دعم "التحالف"، بقيادة المملكة، في إخراج "الحوثي"، لم يكن يوماً لأجل سواد عيونهم، بل دعماً لشرعية الوحدة اليمنية كما يبرّر علناً؟ وبغضّ النظر عن صدق التبرير من عدمه، فهم يعلمون جيّداً أن معركة "التحالف" ضدّ تمدد الحوثي في الجنوب تعنيه هو بدرجة أساسية، إذ إن سيطرة حليف إيران تهدّد دوله ومصالحها وطموحاتها هي قبل غيرها؛ وطالما وأن الجنوبيّين ليسوا مدينين لأحد في تحرير أرضهم، التي تتزاحم فيها المصالح الإقليمية قبل مصالحهم، فلا يمكن القبول بتصوير المسألة ردّاً للجميل. وهل، حقّاً، يحتاج "التحالف" العظيم ردّاً لجميله من مستضعفين؟! 
في مطالباتهم بالإنفصال، كان الجنوبيّون أصحاب غاية يُحترمون عليها، وإن كانت لا تعجب الكثيرين، لكن إعادة التجربة في خوض حرب تشبه التي خاضوها مسبقاً في دمّاج 2013، حين أُلقوا دون تدريب، تمّ التعهّد لهم به كذباً، في أتون معركة وميدان وجغرافيا لا دراية لهم بها، ولا مصلحة تُرجى لهم منها، ولم تعرقل تحقيق غايتهم فحسب، بل وأجهزت على سواعد هذه الغاية وحواملها، ومنحتها درساً قاسياً، إن إعادة هذه التجربة تضعهم في خانة ارتياب، وتصوّرهم كمتخبّطين لا مبدأ لهم ولا غاية.
يُرجّح أن يكون مقصد العملية غير المنطقية هو الإستفزاز، أو ربّما توجيه ضربات أشدّ، ليخشى المريض من الموت فيرضى بالحمّى، والمريض هنا هو بعض فصائل "الحراك"، الرافضة لما تسمّيه "وصاية خليجية" و"احتلالاً آخر". في الحقيقة، تستحقّ هذه القوى هذا النوع من المماحكة، لعجزها، هي الأخرى، عن احتواء الشارع وملئ هؤلاء الشباب بقيم ومبادئ الثبات، بدلاً من الميوعة التي تلبّست المحافظات الجنوبية، خلال الفترة الماضية، من أقصى الشرق الحضرمي حتى أدنى الغرب العدني واللحجي. للأسف، في كلّ الأحوال، ليس ثمّة خاسر غير هذا الشباب المتحمّس، الذي لا يجد من يحمل رفاته بعد أن يقضي.
لا يُستبعد، أيضاً، أن يكون الهدف حصد أرواح، وبالتالي أرقام لغرض المتاجرة الدولية. لم لا؟ فإن كانت المملكة تعتزم خوض حرب ميدانية في صنعاء، فلن تخاطر بأبنائها ذوي الدم الغالي والثمين، ويكفي ما خسرته حتّى الآن، وهي التي لم تخض البرّ بعد.
والسؤال لأبناء "الجنوب": تعلمون أن من يذهب من أبنائكم اليوم لن يعود، فكيف تخطر ببالكم، حقّاً، استعادة جنوبكم الحرّ؟ أم أن البؤس، أيّها الثوّار، وصل بكم لخوض الإنتحار بهذه الطريقة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشفوت... شغف الإفطارات اليمنية ودرّتها

"الهريش"... ذائقة" اليمنيّين في "الأضحى"

مفاوضات الكويت: لا مكان للتّفاؤل؟