المكابرة والقفز على الحقائق
اغسطس 2018
المراقب للحالة السياسية في اليمن يدرك أنها من التعقيد ما تتطلب معجزة ليعود الاستقرار على ماكان عليه قبل 2011 على الأقل، فبدلاً عن ميليشيا واحدة بات لدينا اثنتين، وبدلاً من تهديد “القاعدة” بات لدينا الكثير من العصابات الأشد إجراماً.
لم يعد المواطن يطالب بالرفاهية المذكورة في شعارات الثورة، ولم يعد الأمل في اللحاق بركب الديمقراطيات المنشودة قائم، كل الرجاء الأن بتوفير الأمن ولقمة تسد رمق الجائعين.
الإشكالية ليست بالثورة ولا بمطالب الشعب المشروعة ولكن بمن يركب الموجة ليسرق عرق الثائرين والجائعين وأصحاب الحق.. واستمراء تكرار هذا المشهد.
في 2011 ركبت الموجة أحزاب وشخصيات كانت شريكة في السلطة او النفوذ، ثم أصبحت في عداء شخصي مع الحزب الحاكم وشخص الرئيس الراحل صالح، فشُخصنت الثورة ثم تقاسم الجميع الكعكة وبقي الثائرون يلتحفون الفضاء.
وها هو اليوم المجلس الانتقالي في المحافظات الجنوبية يكرر نفس اللعبة بركوب الموجة والتسلق على آمال وأحلام البسطاء في تحسين الخدمات وتوفير الأمن والسيطرة على ارتفاع الاسعار وتدهور العملة الوطنية.
المجلس الانتقالي الذي يفترض أنه مساهم في توفير الأمن، ورسم السياسة العامة من خلال أعضائه الذين يتقلدون المناصب الحكومية!! يتهم الحكومة وحدها وكأنها المسؤول الوحيد عما يجري.
هناك حقيقة مُرة في مجتمعنا كأي مجتمع عربي، وهي أن وعيه الجمعي لم ينضج سياسياً بعد، ولازال يذعن للشعارات، ولازال الكلام يدغدغ الولاءات ويغذي العصبيات! وإلا لما كان الإنتقالي يجرؤ على المحاولة مجدداً بعد سقوطه مبادئه في تولي المناصب الحكومية! ثم انقلابه في يناير!، ثم أزمة سقطرى، ثم دفعه بالشباب للقتال تحت قيادة طارق عفاش! وكل ما يتناقض مع ادعاءاته في السعي لنيل الاستقلال الجنوبي!
الوعي الجمعي خُدع بالانتقالي في بادئ الأمر، رغم وجود تحذيرات واعية سياسياً لأفراد ذوي بصيرة لم تنجرف وراء العواطف والتمست منذ البداية المغالطات التي يمارسها الإنتقالي منذ تأسيسه، فما بني على باطل هو باطل، لكن أبى المواطن الغريق في حلم استعادة الدولة الجنوبية إلا التعلق بالقشة، وما كان إلا أن هوى، فما كان من أقلام محترمة لأعضائه إلا ان صاغت استقالتها وفضلت العمل الحرّ لخدمة قضيتها الصادقة.
العيب الذي نقع فيه أننا كشعب نرفض التغيير السلمي والإصلاح التدريجي، ورغم أننا نردد عن ظهر قلب “صنعاء لم تبنى في يوم” إلا أننا نريد بناء عدن في ساعة!! ونفضل القفز على حقيقة أن التغيير السياسي الذي لا يرتكز على تغيير في الوعي، وتوفر البديل قبل المغامرة بالمصير، لا يؤدي بنا إلا إلى الفوضى، وهو ما بثته تجربة 2011، ولكننا نكابر، ونختار دائماً الطريق الأسهل (تغيير أشخاص)، مع بقاء المنظومة المشرعنة للفساد والخروج عن القانون وإضعاف الدولة.. وعليه مهما نجحنا في تبديل حكومات لن تقوم لنا قائمة مالم تتبدل قناعاتنا في احترام دولة القانون، ورفض ربط مطالب الشعب بأطراف الخلاف او الأزمة، فمن يختار الفوضى ورفع السلاح خارج إطار الدولة، ليس جديراً ليكون بديلاً يقيم دولة القانون.
تعليقات
إرسال تعليق