التخطي إلى المحتوى الرئيسي

"قدهو جنان"

مازالت خطوة نقل المركزي غير مفهومة، وإن كان ثمّة شيء قد فُهم من هذه الخطوة فهو أن هادي لم يكن يوماً يمنيّاً، ليعرف كيف يفكّر هذا الشعب، وكيف يبدأ ليستمرّ إلى ما لا نهاية. التبرير الحكومي نفسه مستمرّ، "تجفيف موارد الميليشيا في الحرب"، ليستمرّ معه السخط على هادي وحكومته ومن والاه. هادي الذي يملك حقّاً وشرعية، بات اليوم أجيراً وقاتلاً؛ هادي الذي تعاطف معه الشعب ضدّ الميليشيا، أصبح لعنة على مؤيّديه قبل غيرهم؛ هادي الرئيس المهدَّد بالتصفية أمسى فارّاً هارباً منتقماً؛ وبعدما كان ذاك الأب، الذي ادّعى صفته ذات ربيع في محاولته تهدئة الخصام بين أبنائه، "الإصلاح" والحوثيّين، انتقم منهم اليوم ومن أحفاده أيضاً. ومع كلّ ذلك، لا زلنا نأمل أن تُتاح لنا كشعب فرصة للتبرير عوضاً عنه بذكاء، علّه فقط يتفكّر أكثر في قراراته الإرتجالية قبل إلقائها خارج تفكيره.
رغماً عنا كشعب اعتاد أن يقتات السياسة، تظلّ التساؤلات تحوم في خواطرنا لنصل إلى ما يرضينا، أو إلى ما يمكن، بقليل من المنطق، أن ندّعي، كذباً، أنّه يرضينا، لكن بعض التساؤلات مُعيية؛ مثلاً، هل يُعقل ألّا يعرف الرئيس هادي أن أبناء الشمال، بكلّ "قبيَلتِهم"، لا ينتظرون موارد دولة لتمويل اصطفافهم مع ابن القبيلة؟ ألا يعرف أن صالح، بكلّ استماتة مؤيّديه من السواد الأعظم في دعمه، لا ينتظر مركزياً وعشرة مثله ليستمرّ في الحرب وتمويلها؟ ألا يعرف أنّه استنفد علينا كلّ المبرّرات والتفسيرات العقلانية لفهم ما يدور في رأسه من هذه الحرب اللعينة؟ وأنّه لم يعد لدينا ما نواري به خجلنا في دفاعنا عنه وعن مظلوميّته؟ كفى سيادة الرئيس، أرجوك كفى، القانون لا يحمي المغفّلين، واليمن لن تضيع بسببك، إطمئنّ لن يلومك أحد، لأنّها ضائعة "من زمان"، وكنّا نحيا في ظلّ ضياعها بينما نموت مع محاولاتك حمايتها.

محافظ البنك الجديد أوضح أن الخطوة مستقبلية، وأنّها لن تُنفّذ الآن، وبغضّ النظر عن الداعي لإقرار القرار الآن من عدمه، طالما وأنّه مستقبلي، وبعيداً عن بحث إمكانات الحكومة ومقوّمات نجاحها أو فشلها، وهي القابعة "محلّك سر" منذ عام ونصف، فما الهدف من خطوة نقل البنك هذه؟ هذا هو التساؤل المحوري. ما الفارق الذي سيشكّله نقل "المركزي" في ظلّ الوضع المحتدم من أقصى البلاد حتّى أدناها؟ الحوثيّون وصالح ليسوا بحاجة للبنك، هو الآن تحديداً عبء على من يتحمّل مسؤوليّته. بالنسبة للحوثي، فالمجهود الحربي يحصد أكثر ممّا يحصده البنك حاليّاً وبسرعة فائقة؛ والضرائب التي لا تُدفع للبنك ستُدفع تبرّعات للحرب وبنفوس راضية، على عكس ما قد يحدث في المحافظات "المحرّرة"، التي لن تُدفع فيها الضرائب ولن تُمنح التبرعّات. وبالنسبة للمنح الخارجية، فليست بحاجة لـ"المركزي" كخزنة داخل صنعاء أو عدن للإحتفاظ بالمبالغ فيها. أمّا إذا كانت المسألة تتعلّق بكبرياء هادي المجروح، ومحاولته القول "نحن هنا"، فهناك العديد من الإجراءات التي تنتظر إعادة تصحيح، وليكن "هنا وهناك" بإعادة نظره فيها، والعمل من منطلق المسؤولية الرئاسية الكلّية، بدلاً من تفريخ قرارات جديدة، تعزّز تأطّره الجزئي.
سيادة الرئيس، قيل سابقاً إنّك متّفق مع الحوثي لاستنزاف الميزانية السعودية، وإن هذه الحرب مجرّد لعبة، ولكلّ لعبة ضحايا، واليوم، بإصرارك على إغراق نفسك وحكومتك ومواليك في مغامرة نقل "المركزي"، المفلس، وتحمّل مسؤولية صرف المرتّبات، على أقلّ تقدير، بدلاً من الحوثي، لا يسع المراقب إلّا التصديق على هذا الطرح، أو اعتباره خطوة منطلقة من تفكير غبي، وأنت لم تكن يوماً غبيّاً.
قد تكون حقّا لعبة، ولكن ليست لاستنزاف أموال المملكة فحسب، بل استنزافاً لحياة الشمال اليمني "المحتلّ الفاسد"، والجنوب "الإنفصالي العنصري"، ودول التحالف "المتغطرسة"، والمجتمع الدولي "البراجماتي المستغلّ".
ليس مستغرباً أن يخلص المتأمّل، بعد كلّ هذا، إلى أن سيادة الرئيس هادي ليس رئيساً، وأن رئاسته كانت مجرّد ممرّ لتنفيذ غاية إلهية؛ إنّه نبيّ لتخليص الأرض من شرور البشر، نبيّ لكنّه عدوانيّ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشفوت... شغف الإفطارات اليمنية ودرّتها

"الهريش"... ذائقة" اليمنيّين في "الأضحى"

مفاوضات الكويت: لا مكان للتّفاؤل؟