التخطي إلى المحتوى الرئيسي

"رفقاً بالقوارير"

الأربعاء 8-03-2017
وهو على فراش موته، عليه أفضل الصلاة والسلام، يوصي الناس بالنساء خيراً. رسالةٌ عميقة الحكمة والإدراك، لرجل يعلم أن تأثيره غير مقتصر على زمان بعينه أو مكان. رسالةُ رجل فذّ البصيرة، يعي خصوصية تكوين هذا الكائن.
قد يعتقد البعض أن التوصية بالنساء جاءت لكونهن مخلوقات ضعيفة، وهذا طرح وارد، لكنه لا يتوازى تماماً مع الدور المنوط بحواء. بدايةً، تؤنس وحشة آدم، إليها يسكن، ومعها يصبر، ومنها يستمد الطاقة والدافع ليمضي في مسيرة استخلافه. ثم يختصها الخالق بمهمة احتضان بذرة الخلق واستمرار الحياة، ثم يجبلها على مهارة الإعتناء بهذه البذرة، 9 أشهر، وحولين كاملين، وسنين التنشأة الأولى، وإلى ما لا نهاية، بكل ما يرافق هذه المهمة من تحديات ومعجزات ومشقة، فكيف لكائن ضعيف أن يمنح بكل هدوء، خال من التكلف، كل هذه المنح؟
وإن كان صبرها النافذ، وصلابتها الكامنة، وانتظام عطائها الفطري، جعلها محل اختيار الخالق للقيام بهذه المهام الجسيمة، فلماذا تأتي التوصية بها؟ والحثّ بـ"رفقاً بالقوارير"؟ هل يعقل أن يكون الضعف هو ما يستدعي ذلك؟ لن يعجز أي متأمل أو باحث شغوف عن ربط العلاقة بين حاجة المرأة للرفق، وبين قوتها الجبارة المتأصلة فيها. فبالنظر إلى لحظات احتياج المرأة للرفق يتبين أنها لحظية، وليست دائمة، لكنها عميقة ومكثفة، وإن كانت خاصة ومتغيرة، لعوامل فسيولوجية، وظروف استثنائية. ولأنه لا توقيت معيناً لشعورها بالوهن، وبالتالي حاجتها للرفق، جاءت التوصية بها عامةً ومفتوحة، لتتمكن من لعب دورها المحوري في الحياة كما ينبغي. 
ومن ناحية أخرى، فإن لحظة الضعف هذه ستنتهي على كل حال، وستستعيد المرأة عافيتها بوجود الرجل أو بغيابه، مهما طالت أو قصرت هذه المرحلة من دورة حياتها المتجددة. ولكن عندما يغيب الرجل في توقيت حاجتها إليه، فلن تجد المرأة لدى نفسها ما يجعلها تحمل جميلاً ومعروفاً ووفاءاً له، ولن تجد له ما يجعله مستحقاً لمنحه "السَكَن"، الذي جُبلت على أن تكونه للرجل، وسترى ألّا ضرورة لوجوده في حياتها، باستثناء ماء صلبه الذي سيصبح أكثر أهمية منه لاستمرار النسل.
أما تشبيه النساء بالقوارير، ويقصد به الزجاج كما كان يطلق العرب عليه قديماً، فيكمل الصورة. هذه البلاغة في الوصف تصور المرأة كتحفة إلهية، مليئة بأسرار الخلق والتكوين والطاقة، وهي أحرى بالعناية من أيّ تحفة زجاجية تستوجب الحذر في التعامل معها حتى لا تنكسر؛ لأن في تحطيم أو كسر أيّ تحفة زجاجية خسارتين: أولاً فقدانها أو فقدان دورها في تحقيق المنفعة منها كما ينبغي، وثانياً التسبب في الأذى والضرر من خلال قطعها الزجاجية المتشظية، وليس غريباً أن تتحول تحفة زجاجية قوية إلى أداة للجرح.
إن توفير حاجة المرأة النفسية للرفق، حتى حين لا تكون محتاجة لذلك، يجعلها تطمئن إلى أنها مازالت مشمولة بالرعاية والعناية، فتستقر نفسها وتشعر بالأمان، ما ينعكس على قدرتها في مواصلة عطائها، حتى حين تبلغ الكبر، فتنفق ما تبقى من عافيتها على أولادها وأحفادها، فتدعو لهم وتنصحهم وترشدهم وتواسيهم.
الرفق بالنساء ليس ترفاً اجتماعياً، بل هو أساس كوني لنظام حياتي متكامل، يبدأ بهدوء الإنسان وسلامه الداخلي، ويمر بإتقانه لدوره الإنساني، وينتهي برفاهيته وسلامه الخارجي على سطح البسيطة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشفوت... شغف الإفطارات اليمنية ودرّتها

"الهريش"... ذائقة" اليمنيّين في "الأضحى"

مفاوضات الكويت: لا مكان للتّفاؤل؟