الإقليمان... ورقة هادي الأخيرة


الأربعاء 19-10-2016

إلقاء "التحالف" على الجانب اليمني، بالمسؤولية عن "الخطأ الجريمة" الذي استهدف صالة عزاء آل الرويشان في صنعاء، ينذر برياح صرصر عاتية بين طرفَي العقد العسكري في "عاصفة الحزم"؛ "الشرعية اليمنية" و"التحالف العربي". وعلى الرغم من أن الحكومة اليمنية تجاوبت بشكل هادئ مع توجيه اتّهام "التحالف" لواحد من أبرز قياديّي هيئة الأركان التابعة لها، في واحدة من أهمّ الجبهات العسكرية ضدّ تحالف صنعاء (الحوثي وصالح)؛ جبهة مأرب، إلّا أنّه من الغباء تصوّر أن يمرّ هذا الأمر مرور الكرام.

حتّى وإن كانت هيئة أركان القوّات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي وراء هذا "الخطأ الجريمة"، فإن "التحالف" لن يُستثنى من المساءلة، شاء أم أبى، فهو المسؤول أوّلاً وأخيراً عن عمليّاته. وفي كلّ الأحوال، فإن "الشرعية" ستُضرب في الصميم جرّاء الوحشية التي تعامل بها المسؤول عن الجريمة، وبالمناسبة هي وحشية "كمّية" إن جاز لنا التعبير، فهي لا تختلف من ناحية النوع عن سابقاتها إطلاقاً، وذلك من منظور قانوني أخلاقي، وليس سياسيّاً. على كلٍّ، فقد استنكرها وأدانها وطالب بمحاسبة مرتكبيها الموالون لـ"شرعية" هادي ولـ"التحالف" قبل غيرهم، ما يؤكّد أن الطرف اليمني بات ضعيفاً بهذه القيادات، مأزوماً في مسألة الثقة بقيادات أخرى. 
في حال كانت المملكة تحاول التملّص من مسؤوليّتها عن هذه الضربة، ورميها على الجانب اليمني، وهذا السيناريو كان متوقّعاً، لأنّه المخرج الوحيد من مأزق "الصالة الكبرى"، الذي يأتي في ظلّ تربّص المجتمع الدولي بكلّ منظّماته الحقوقية والإنسانية بالمملكة، ناهيك عن أنّه جاء أثناء 
فورة حمم قانون "جاستا" الذي يُعدّ صفعة قوية من الحليف الأهمّ عالميّاً للسعودية، ليعزّز أخيراً من تهمة ارتباطها بالإرهاب؛ وإذا كانت المملكة تدفع حقّاً بالجانب اليمني ككبش فداء، فإن هذا الكبش لن يكون القيادي الموالي لهادي، ولا حتّى هادي نفسه، بل إن "الشرعية" بكلّ الموالين لها ستغيّر من تعاطيها مع مسألة الحرب. حتّى هادي، الذي لا يُعدّ اليوم سوى مغلوب على أمره، سيفيق أخيراً من وهم شرعية لم تعد تحتمل تلطيخ سمعتها وسمعته تاريخيّاً؛ سيدرك، أو هذا ما يجب، أنّه يخسر أكثر وأكثر، وإن كان ثمّة أمل في عودته، بعد كلّ دماء الأطفال والمدنيّين الأبرياء التي أريقت، بفعل هذه الحرب الظالمة، التي يتحمّل هو عبء مسؤوليّتها، ما دام يصرّ على أنّه رئيس البلاد، أن دم عبد القادر هلال، وحده هذه المرّة، سيطارده إلى حيث يمكث.
هادي اليوم في مأزق يشبه كثيراً المأزق السعودي بسبب "مجزرة القاعة الكبرى". كلّ الخيارات أمامه صعبة إن لم تكن معطّلة، حتّى لو افترضنا جدلاً رغبته في التنازل عن كلّ شيء حقناً للدماء، والإعتراف بعبثية الحرب، والتوقّف عن إصراره في مطالبة الميليشيا الجوعى للسلطة بالعودة إلى صعدة وتسليم السلاح، وهو الذي يعلم كما نعلم جميعاً بتضييع وقته ووقتنا في هذا المطلب، وفقاً لتاريخ سعي الجماعة لـ"استحقاق الحكم" منذ ما قبل تولّيه هو حكم بقايا الدولة المنهارة بعد 2011، التي شارك "أنصار الله" بجدارة في إسقاط نظامها، بل ومنذ ما قبل تعيينه نائباً للرئيس الذي خاض ضدّهم ستّ حروب ضروس، بل ومنذ ما قبل أكثر من 14 قرناً من الزمن.
خسر هادي في الشمال، وعليه إدراك هذه الحقيقة. عاجلاً أم آجلاً سيُجبَر على التنازل عن هذا الجزء من المعادلة. وكما لم يُحفَظ ماء وجهه اليوم في سيناريو "مجزرة الصالة الكبرى"، فإنّه لن يُراعى أو يُحفظ في أيّ مخطّط حين يراد لهذا العبث أن ينتهي بشكل أو بآخر.
وفي الجنوب، فإن أبناءه مهما حاولوا تقديم الدعم والمساندة لهادي من منطلق قبلي مناطقي، إلّا أنه سيصطدم بهم كما اصطدم بهم سابقاً، حين تُثار مسألة الأقاليم الستّة أو الخمسة أو حتّى الثلاثة. فالجنوب بسواده الأعظم بات يعتقد أنّه قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحلم - الشعار "التحرير والإستقلال"، ولن يأتي هادي ولا غيره بعد كلّ هذه التضحيات ليهدم ما بناه الجنوبيّون من آمال، بناءً على وعود مزيّفة، استغلّت سعيهم في الحصول على "استحقاقهم" هم أيضاً في تقرير مصيرهم.
يعلم الله ماذا يدور في خلد هادي؟ لكن واقعه الذي لا يُحسد عليه ما زال يمنحه ورقة حظّ، ربّما هي الأخيرة، ليُرضي أبناء الجنوب، على الأقلّ، بالتنازل عن فكرة الأقاليم المتعدّدة، والتي يرفضها الشمال أيضاً، وهذا في صالحه إن همّه ذلك، وليكفه فخراً أن يُنهي صراعاً أنهى البلد، بتحقيق الفيدرالية من إقليمين، وذلك أضعف الإيمان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشفوت... شغف الإفطارات اليمنية ودرّتها

"الهريش"... ذائقة" اليمنيّين في "الأضحى"

مفاوضات الكويت: لا مكان للتّفاؤل؟